الرحمة العالمية.. خطوات ثابتة نحو بناء الإنسان وإعفافه

15/01/2017
المجتمع
الرحمة العالمية.. خطوات ثابتة نحو بناء الإنسان وإعفافه

أضحت الرحمة العالمية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي رقماً صعباً بين المؤسسات الخيرية والإنسانية في العالم العربي، حيث إنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها التي تمثلت في أن تكون المؤسسة الخيرية الأهلية الرائدة الأولى في العالم العربي في شمولية مشروعاتها كماً ونوعاً وجغرافية، وسعة إيراداتها وفقاً لأرفع معايير الأداء المؤسسي.

وفي إطار تحقيق هذه الرؤية الطموحة، وضعت الرحمة العالمية لنفسها 7 أهداف؛ هي: تعزيز بناء مؤسسي قوي ذي أساس متين قادر على تحقيق رسالة الرحمة العالمية بمهنية عالية، وتنمية الأداء الوظيفي حسب شرائح العاملين ومستوياتهم، واستقطاب متطوعين للعمل الخيري، وبناء جسور الثقة، وتعزيز العلاقة الإيجابية بين الرحمة العالمية وكافة شرائح المجتمع بما يقوي العلاقة وينمي مواردها ويحفظ لها استمراريتها، وتعزيز قدرة الرحمة العالمية على زيادة إيراداتها السنوية، والاستثمار الوقفي الأمثل والآمن للموارد والإمكانيات المتاحة بما يحقق التوسع في العمل الخيري، وتعزيز استمرارية مؤسسات العمل الخيري في أداء رسالتها، وتحقيق التنسيق والتعاون مع المؤسسات المحلية والخارجية سعياً للشراكة، وتأهيل وتنمية المجتمعات بمناطق العمل بريادة واحتراف وفق منهجية مدروسة تحدد الأولويات والسياسات المناسبة.

المشروعات التنموية

وقد عملت الرحمة العالمية على إطلاق عدد من المشروعات التنموية الكبرى التي تستهدف بناء الإنسان وإعفافه، وهي الرسالة السامية للإسلام كحضارة للخير، حيث كان هدفها في المجتمعات التي تعمل بها على تمكين الفئات المهمشة والفقيرة والضعيفة وفقاً لرؤية إسلامية قيمية حضارية، وركزت في هذا الجانب على المشروعات التعليمية، وذلك أن التعليم هو الوسيلة الطبيعية التي تقود التنمية في المجتمعات، حيث تعاني قطاعات واسعة من دول العالم من ضعف القدرة على تعليم أبنائها، وهناك نسبة ليست بالقليلة من الأمية تنتشر في بقاع المعمورة وبنسب متفاوتة، خاصة في المراحل الابتدائية، فهناك أكثر من 758 مليون شخص لا يتقن أبسط مهارات القراءة والكتابة، ثلثا هذا العدد من النساء بحسب إحصاءات منظمة «اليونسكو».

لذا حرصت الرحمة العالمية على توفير سبل دمج الأطفال من أبناء الأسر المستحقة في برامج التعليم، مع الاهتمام ببناء المدارس والمؤسسات التعليمية، حيث نادى الهدف الثاني من أهداف الخطة الإنمائية للأمم المتحدة بضرورة تحقيق تعليم ابتدائي شامل، من خلال تمكين الأطفال ذكوراً وإناثاً من إتمام مراحل التعليم الابتدائي والتعليم الأساسي، كما أن التعليم حظي بعناية كبيرة من قبل الشرع في الحضارة الإسلامية، فعن أنس بنِ مَالِكٍ، أن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ» (رواه ابن ماجه)، وقد قامت الرحمة العالمية في هذا الإطار بإنشاء 436 منشأة تعليمية منذ عام 1982م، ما بين مدارس ابتدائية، ومتوسطة، وثانوية، ومدارس فنية، وجامعات وغيرها من المشروعات التعليمية المختلفة.

مجمعات الرحمة العالمية

مجمعات الرحمة العالمية مشروعات إستراتيجية، وتعد أفضل ما وصلت إليه فكرة رعاية الأيتام، أو ما يطلق عليه الرعاية الشاملة، والتي نتجت عن خبرة طويلة للرحمة العالمية امتدت إلى أكثر من 30 عاماً، وتمت ترجمة هذه الخبرة إلى ما يسمى بالمجمعات التنموية، التي تساهم في رعاية الأيتام من خلال تغيير مفهوم كفالة الأيتام وطلاب العلم من مجرد إطعام فقط إلى رعاية شاملة وتنمية حقيقية، حيث تتلخص فلسفة الرحمة العالمية في تحصين اليتيم منذ الصغر ليصبح قادراً على الاعتماد على نفسه، ليتخرج اليتيم من تلك المجمعات ويساهم في تنمية المجتمع.

وقد تجاوزت هذه المشروعات ما يسمى بالإطار التقليدي من بناء المساجد وحفر الآبار وتقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة، إلى وضع خطة إستراتيجية شاملة وواضحة ترسم احتياجات المجتمع في التربية والتعليم والصحة، وحسن استخدام الموارد المتاحة للمساهمة في التنمية الشاملة المستدامة في البلاد، ولا يفوتني أن أذكر هنا حصول أحد مجمعات الرحمة – مجمع الرحمة في جيبوتي – على جائزة أفضل المبادرات المجتمعية في مجال رعاية الأيتام.

وتتكون مجمعات الرحمة من مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية، تتكون من 3 طوابق، وفيها 16 فصلاً، يتسع كل فصل منها لـ35 طالباً، كما أنها تحتوي على مختبر للعلوم، وآخر للحاسوب، ومكتبة، وصالة للأنشطة، إضافة إلى 3 مكاتب إدارية، وكذلك المدرسة الثانوية الصناعية التي تضم 5 ورش رئيسة، وصالة تدريب وإنتاج، وصالة دراسية داخلية، ومكتباً للمشرفين، إضافة إلى ملحق آخر فيه 3 فصول ومكتب إداري، وقد صُمم المشروع التعليمي خاصة المدرسة الثانوية الصناعية وفق منهج يستوعب التطور المتواصل في التقنية التعليمية بغية إعداد جيل مسلح بالمعرفة والمهارات، ليكون مؤهلاً تأهيلاً مهنياً عالياً يُمَكّنه من الاندماج الكامل في العمليات الإنتاجية والتطوير الشامل.

قضايا المرأة

ولم تغفل الرحمة العالمية في هذا الإطار المرأة، حيث كان لها العديد من المشروعات التي تخدمها، وقد عملت على إنشاء مراكز متخصصة لخدمة وتعليم المرأة، كمركز الدرة في البوسنة، لما للمرأة من دور في التنمية والنهضة لكل مجتمع، فهي الأساس في إصلاح المجتمعات، فهناك العديد من المراكز الإسلامية التي تفرد ملحقاً أو قسماً خاصاً بالنساء، والدور الأكبر يكون فيها للرجل، أمَّا الدرة فهو من المرأة فقط وإليها، لتحافظ على خصوصيتها في البرامج والأنشطة الخاصة بها فقط، في ظلِّ مجتمع مفتوح، ليس للمرأة فيه أي خصوصية، فهو مشروع حضاري فريد من نوعه، يقدم العديد من الخدمات للفتيات البوسنيات، منها الدورات التدريبية في النواحي الشرعية والاجتماعية والإدارية والتنمية البشرية، كما يضم المركز بين جنباته مكتباً للاستشارات الأسرية وإصلاح ذات البين؛ الأمر الذي يخدم المجتمع عن طريق المساهمة في دعم التماسك الأسري، إضافة إلى إنشاء سكن للطالبات الجامعيات.

الرعاية الصحية

العمل الصحي في الرحمة العالمية من المحاور الأساسية التي يعمل من خلالها، ولقد تم ترجمة العمل من خلال هذا المحور بمجموعة من المشروعات التي وصل عددها إلى 432 منشأة طبية، بعضها يتمثل في المستشفيات التي تحتوي على معظم التخصصات كالمستشفى الدولي في هرجيسيا، ومستشفى الرحمة في جيبوتي، ومركز جراحات المخ والأعصاب والقلب، ومستشفى الكويت التخصصي في غزة، وهناك مجموعة أخرى من المستشفيات التي تأتي ضمن إستراتيجية الرحمة الصحية والتي يجري الآن دراستها خاصة التخصصية منها، وتأتي ضمن أهدافنا في رفع الخدمة الصحية المقدمة للإنسان، كما أن هذا العمل يساعد على تقوية البيئة التي ينشأ فيها الإنسان، وتتيح له أن يعيش حياة كريمة بشكل صحي، ونستطيع بعد ذلك توجيهه من خلال التعليم نحو التمكين الاقتصادي والتعليمي، وبالتالي يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع؛ لأن هذه هي المعادلة المتكاملة التي تسعى الرحمة العالمية إلى تحقيقها.

ولم تكتف الرحمة العالمية ببناء المستشفيات والمستوصفات والعيادات الطبية فقط، بل انتقلت إلى توسيع دائرة الخدمة التي تقدمها من خلال المستوصفات والتي تقدم الخدمات الأولية الطبية لعلاج المرضى في الحالات العامة، وفي حال احتياج المريض إلى علاج متقدم أو عمليات أكثر تعقيداً يتم إرسال المريض إلى المستشفيات التخصصية التي تقوم الرحمة العالمية عليها، بالإضافة إلى القوافل الطبية الدورية التي تنتقل من المستشفيات إلى المناطق النائية، وهذه القوافل الطبية بعضها قوافل طبية عامة، وبعضها الآخر قوافل طبية متخصصة.

الكسب الحلال

للرحمة العالمية إستراتيجية خاصة في محاربة ظاهرة الفقر من خلال وضع حلول جذرية له، فلم تقف عند حدود المساعدات الغذائية أو القوافل الإغاثية المتنوعة، بل وضعت حلولاً مستدامة من خلال مشروعات الكسب الحلال (المشروعات الصغيرة) التي تقوم على توفيرها لرب الأسرة، بل تعدى الأمر إلى أن قامت بتدريب بعض المستفيدات على صناعات مختلفة كالخياطة وغيرها، وفي نهاية هذا التدريب تمنح كل واحدة ماكينة خياطة لتعفّ بها نفسها وأهلها؛ مما ساهم في تخريج جيل يملك صنعة يمكنه الاعتماد بها على نفسه، وذلك من خلال الورش التي تقيمها في مجمعاتها التنموية بأشكالها المتعددة، فهناك ورش النجارة والكهرباء والتبريد والتكييف واللحام.

وللرحمة العالمية دور ريادي في مجال بناء وتنمية الإنسان، وذلك بتبني العديد من المشاريع الصغيرة من أجل إيجاد لقمة عيش كريمة للأسر المتعففة، تلامس حاجات الفقراء والمعوزين، وتدعمهم وتدفعهم للعمل الجاد عبر أدوات وأساليب مختلفة، حيث تساعد وتحث المحتاجين على العمل بمشروع صغير يكتسب منه الكسب الحلال الذي يغنيه عن السؤال، انطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف المتعلقة بالحث على العمل والسعي في الأرض، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري).

وقد استطاعت من خلال تلك المشروعات أن تساهم في إعفاف 13089 أسرة من خلال مشروعات متنوعة، ما بين ماكينة خياطة، وقارب صيد، وعربة طعام، وجرار زراعي، ومنيحة غنم، ومنيحة بقر، أو دراجة نارية، أو كشك صغير، أو بسطة خضار، أو غيرها من المشروعات التي تنفذها بعد دراسة وافية للمكان الذي يتم فيه توزيع تلك المشروعات، وذلك بهدف تمكين العائل للأسرة من مورد دائم يوفر له دخلاً ثابتاً، كما أن المشاريع تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي بعض المناطق يتم الاهتمام بالمشاريع الزراعية والمواشي وتربية الحيوانات المنتجة كالغنم والدواجن، بينما يتم التركيز في مناطق أخرى على توفير عربات الطعام، أو مراكب الصيد.

المساجد بيوت الله

المسجد هيئة إسلامية عظيمة لإصلاح المجتمعات البشرية، ولا يمكن إصلاح المجتمع إلا بتفعيل دور أكبر مؤسسة وأعظمها على وجه الأرض، وهي المساجد؛ لأنها تربي المجتمع تربية إيمانية متكاملة، وتقوم بصبغ الإنسان بأحسن صبغة، ولذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمد إلى تأسيس وإرساء قواعد المساجد إبان وصوله إلى المدينة المنورة، ومن هنا بدأ دور المساجد في تربية المجتمعات الإسلامية، ومع مرور الزمن أصبح من المسلَّم به أن المساجد لا يقتصر دورها على أداء الصلوات فحسب، بل عظم دورها لاحتوائها على حلقات للعلم وتحفيظ القرآن الكريم، ولذا تحرص الرحمة العالمية بشدة على تنفيذ مشروع بناء المساجد باعتباره منارة إسلامية تقام به الصلوات الخمس وحلقات القرآن الكريم، ويضم مكتبة إسلامية، مع الحرص على عقد اللقاءات الثقافية والتوعوية والتنويرية والعلمية، بالإضافة إلى المحاضرات الدعوية، وقد شيدت الرحمة العالمية أكثر من 8535 مسجداً في 42 دولة تعمل بها.

مشروعات مواسم الخير

 يعيش المسلمون كل عام مواسم للعطاء ومناسبات الجود والرحمة التي يكرم الله سبحانه وتعالى بها عباده المؤمنين، للدخول عليه من أوسع الأبواب ومن أسهل الطرق، فيعم الخير، ويكثر السخاء، وتزكو النفوس، ويتكاتف المسلمون جميعاً، ولذا حرصنا على اغتنام تلك الفرص وكسب مزيد من الأجر، فكانت مشروعاتنا مركزة في تلك الشهور على إفطار الصائم وكسوة العيد والأضاحي ومواسم الشتاء، وقد استفاد من مشروعات الرحمة الموسمية أكثر من 33 مليون مستفيد.


مشروعات المياه

هناك أكثر من 700 مليون نسمة من سكان العالم يفتقرون إلى سُبل الحصول على مياه الشرب النقية والمأمونة، التي تضمن للمرء الحياة الصحية، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية في العالم للعام الحالي، وانطلاقاً من احتلال مسألة المياه مكان الصدارة في خطة التنمية المستدامة الجديدة لعام 2030م للأمم المتحدة، تسعى الرحمة العالمية إلى توفير المياه عبر حفر الآبار الارتوازية والسطحية وتأمين البرادات المائية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت إلى توفير عدد من محطات المياه، وقد قامت بتنفيذ أكثر من 36746 مشروعاً للمياه، بالإضافة إلى 4 محطات لتحلية المياه.

وتسعى الرحمة العالمية بشكل حثيث من خلال هذه المشروعات لحل مشكلات نقص المياه وندرتها في عدد من الدول، وخصوصاً في قارتي آسيا وأفريقيا، باعتبارهما من أكثر المناطق التي تعاني نقص المياه والجفاف، حيث تعاني بعض هذه الدول موجة جفاف قاسية خلال السنوات الماضية لم تشهدها منذ زمن طويل، وفق تقديرات الخبراء، وتعد مشكلة نقص المياه أكبر مشكلة يواجهها أي مجتمع بشري، لذا نفذت تلك المشروعات المهمة لتوفير مياه الشرب والري، والتخفيف عن الناس من مشقة الحصول على الماء.

وفي هذا السياق، يأتي مشروع محطة المياه، وهو مشروع نوعي أطلقته الرحمة العالمية للاجئين والنازحين السوريين، وهو عبارة عن أول محطة متنقلة لتعبئة مياه الشرب النقية في عبوات بحجم 5 لترات، وقد جاءت الفكرة بعد أن رأت الرحمة العالمية عشرات الأطفال يموتون يومياً بسبب المياه الملوثة وفقاً لتقديرات «اليونيسيف»، والمحطة عبارة مصنع متحرك لتنقية المياه على حاوية بسعة 40 قدماً تتحرك على شاحنة بين المخيمات، وتقوم بتعبئة مياهها من 5 آبار ارتوازية حفرتها الرحمة العالمية في الداخل السوري، وتعمل المحطة  10 ساعات يومياً بقدرة إنتاجية تصل إلى 3000 عبوة مياه 5 لترات يومياً، وتكلفة إنتاجية منخفضة 150 فلساً للعبوة، وقد تم توزيع 150 ألف عبوة.

قوافل الرحمة العالمية

قوافل الرحمة الإغاثية مشروع نوعي قامت بإطلاقه الرحمة العالمية منذ فبراير 2012م، وذلك لإغاثة النازحين واللاجئين السوريين، وذلك باستهداف محاور إغاثية متنوعة، حيث شملت: مساعدات نقدية للأسر، طروداً غذائية، مستلزمات واحتياجات منزلية، تركيب أطراف صناعية، سداد إيجارات شقق سكنية، كفالة أيتام وأسر، أدوية ومستلزمات وحقائب طبية، ألعاب أطفال وكتباً تعليمية، ومستلزمات تدفئة، وبناء وتجهيز مستشفيات وكفالة طلاب وبناء مدارس تعليمية، وتنقل هذه القوافل العطاء الكويتي للاجئين السوريين في مناطق اللجوء المختلفة، وتشرك أصحاب العطاء في توزيع عطائهم مباشرة، وقد قامت الرحمة العالمية بإطلاق 290 قافلة إغاثية إلى الشعب السوري.